فصل: (بَابُ التَّعْزِيرِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ التَّعْزِيرِ):

(وَهُوَ) لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا (التَّأْدِيبُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي الْقَبِيحَ وَعَزَرْتُهُ بِمَعْنَى نَصَرْتُهُ لِأَنَّهُ مَنْعَ عَدُوّهُ مِنْ أَذَاهُ وَقَالَ السَّعْدِيُّ: يُقَالُ عَزَّرَتْهُ وَقَّرْتُهُ وَأَيْضًا أَدَّبْتُهُ وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَهُوَ طَرِيقٌ إلَى التَّوْقِيرِ إذَا امْتَنَعَ بِهِ وَصُرِفَ عَنْ الدَّنَاءَةِ حَصَلَ لَهُ الْوَقَارُ وَالنَّزَاهَةُ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَاسْتِمْتَاعٍ لَا يُوجِب الْحَدَّ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ.
(وَ) ك (إتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَة) أَيْ الْمُسَاحَقَةُ (وَ) ك (الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَكَدُعَاءٍ عَلَيْهِ وَلَعْنِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ لُعِنَ رَدُّهَا) عَلَى مَنْ لَعَنْهُ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ اللَّعْنِ (وَكَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ) لِعَدَمِ الْحِرْزِ أَوْ لِكَوْنِهِ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِ (وَجِنَايَةٌ لَا قِصَاصَ فِيهَا) كَصَفْعِ وَوَكْزٍ وَهُوَ الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ.
(وَ) كَ (الْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَا وَنَحْوِهِ) كَاللِّوَاطِ (وَكَنَهْبٍ وَغَصْبٍ وَاخْتِلَاسٍ وَسَبِّ صَحَابِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَمَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَاتِ (وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ سَبُّ الصَّحَابِيِّ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقَذْفِ جُمْلَةٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ (فَيُعَزَّرُ فِيهَا الْمُكَلَّفُ وُجُوبًا) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَفْتَقِرُ إلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا حَدٌّ وَلَا كَفَّارَةٌ وَجَبَ أَنْ يُشَرَّعَ فِيهَا التَّعْزِيرُ وَلْيَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ مِنْ فِعْلهَا وَقَوْلُهُ «لَا حَدَّ فِيهَا» أَخْرَجَ مَا أَوْجَبَ الْحَدَّ مِنْ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا وَقَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ خَرَجَ بِهِ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَشَبَهُ الْعَمْدِ وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: قَدْ يُقَالُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيهِ أَيْ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ وَلَيْسَتْ لِأَجْلِ الْفِعْلِ بَلْ بَدَلَ النَّفْسِ الْفَائِتَةِ فَأَمَّا نَفْسُ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ الْجِنَايَةُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَيَظْهَرُ هَذَا بِمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ أَتْلَفَ بِلَا جِنَايَةٍ مُحَرَّمَةٍ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِلَا تَعْزِيرٍ وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِي شَبَهِ الْعَمْدِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَجَامِعِ فِي الصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ.
(وَتَقَدَّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ إذَا زَنَى ابْنُ عَشْرٍ أَوْ بِنْتِ تِسْعٍ عُزِّرَا وَقَالَ الشَّيْخُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقِبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ) أَيْ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ (لِيَنْزَجِرَ لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ.
وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا مَا أَوْجَبَ حَدًّا عَلَى مُكَلَّفٍ عُزِّرَ بِهِ الْمُمَيَّزُ كَالْقَذْفِ انْتَهَى).
(وَإِنْ ظَلَمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً اُقْتُصَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِم وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زَجْرٌ) عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ (لَكِنْ لِاقْتِصَاصِ الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وَزَجْرٍ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْن خَلْقِهِ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزَةٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا (وَتَقَدَّمَ تَأْدِيبُ الصَّبِيِّ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاة) إذَا بَلَغَ عَشْرًا (وَذَلِكَ لِيَتَعَوَّدَ).
وَكَذَا الصَّوْمُ إذَا أَطَاقَهُ (وَكَتَأْدِيبِهِ عَلَى خَطٍّ وَقِرَاءَةٍ وَصِنَاعَةٍ وَشَبَهِهَا) قَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَمِثْله زِنًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِيمَا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ فِي الْغِلْمَانِ يَتَمَرَّدُونَ لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ.
(قَالَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ إلَّا إذَا شَتَمَ نَفْسَهُ أَوْ سَبَّهَا فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ) وَهُوَ مَعْصِيَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي (وَقَالَ) الْقَاضِي (فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا تَشَاتَمَ وَالِدٌ وَوَلَدُهُ لَمْ يُعَزَّرْ الْوَالِدُ لِحَقِّ وَلَدِهِ) كَمَا لَا يُحَدُّ لِقَذْفِهِ وَلَا يُقَادُ بِهِ (وَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ لِحَقِّهِ) أَيْ الْوَالِدُ كَمَا يُحَدُّ لِقَذْفِهِ وَيُقَادُ بِهِ (وَلَا يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ) أَيْ الْوَلَدُ (إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْوَالِدِ) بِتَعْزِيرِهِ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ تَعْزِيرُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي النَّفَقَاتِ (وَلَا يَحْتَاجُ التَّعْزِيرُ إلَى مُطَالَبَةٍ فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ فَيُقِيمُهُ الْإِمَامُ إذَا رَآهُ وَظَاهِرُ الْمُنْتَهَى حَتَّى فِي هَذِهِ قَالَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُطَالَبَةٍ.
(وَإِنْ تَشَاتَمَ غَيْرُهُمَا) أَيْ الْوَالِدُ وَوَلَدُهُ (عُزِّرَا) وَلَوْ جَدًّا وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ أُمًّا وَوَلَدِهَا أَوْ أَخَوَيْنِ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ غَضِبَ فَقَالَ مَا نَحْنُ مُسْلِمُونَ إنْ أَرَادَ ذَمَّ نَفْسِهِ لِنَقْصِ دِينِهِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا عُقُوبَةَ انْتَهَى وَيُعَزَّرُ بِعِشْرِينَ سَوْطًا بِشُرْبِ مُسْكِرٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يُفْطِرُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ مَعَ الْحَدِّ فَيَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ سَوْطًا الْحَدَّ وَعِشْرِينَ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِجِنَايَتِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
(وَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى مَعَاصٍ شَتَّى فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِلَّهِ) تَعَالَى (وَاتَّحَدَ نَوْعُهَا) كَأَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً مِرَارًا (أَوْ اخْتَلَفَ) نَوْعُهَا بِأَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً وَلَمَسَ أُخْرَى قَصْدًا (تَدَاخَلَتْ) وَكَفَاهُ تَعْزِيرٌ وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا (وَإِنْ كَانَتْ) التَّعْزِيرَاتُ (لِآدَمِيٍّ وَتَعَدَّدَتْ كَأَنْ سَبَّهُ مَرَّاتٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُهَا) أَيْ السَّبَّاتِ (أَوْ تَعَدَّدَ الْمُسْتَحَقُّ) بِالتَّعْزِيرِ كَسَبِّ أَهْلِ بَلَدٍ (فَكَذَلِكَ) أَيْ تَدَاخَلَتْ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّأْدِيبُ وَرَدْعُهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِكَلِمَاتٍ (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَلِأَنَّهُ وَطِئَ فِي فَرْجٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَوَطْءِ أَمَةً غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَيُجْلَدُ مِائَةً وَلَا يُرْجَمُ وَلَا يُغَرَّبُ).
لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا: عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ:
«أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُنَيْنٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَرُفِعَ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُكَ بِالْحِجَارَةِ فَوَجَدَهَا أَحَلَّتْهَا لَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً» (وَإِنْ أَوْلَدَهَا) أَيْ أَمَةَ زَوْجَتِهِ (لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةٍ كَزِنَاهُ بِغَيْرِهَا (وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِبَاحَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي وَإِنَّمَا سَقَطَ هُنَا أَيْ فِي إبَاحَةِ الْمَرْأَةِ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ الْمَذْكُورِ (وَلَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ) لِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا:
«لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلْدَاتٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) أَيْ إبَاحَةِ الزَّوْجَةِ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا وَأَيْضًا مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ فَيَكُونُ مُخَصَّصًا (إلَّا إذَا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً فَيُعَزَّرُ بِمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «إنَّ عُمَرَ قَالَ فِي أَمَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا يُجْلَدُ الْحَدُّ إلَّا سَوْطًا» وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (وَعَنْهُ مَا كَانَ) مِنْ التَّعَازِيرِ (سَبَبُهُ الْوَطْءُ كَوَطْئِهِ جَارِيَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَ) وَطْءُ (جَارِيَةِ وَلَدِهِ أَوْ جَارِيَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِرَضَاعٍ وَوَطْءِ مَيِّتَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ إذَا قُلْنَا لَا يُحَدُّ فِيهِنَّ يُعَزَّرُ بِمِائَةٍ) لِمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ بِإِذْنِهَا فَيَتَعَدَّى إلَى وَطْءِ أَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُزَوَّجَةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا.
(وَ) يُعَزَّرُ (الْعَبْدُ) فِي ذَلِكَ (بِخَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا) قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ (وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا) مِنْ غَيْرِ زِنًا بِهَا فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا يَعْقُوبُ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عَلِيًّا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فِي لِحَافِهَا فَضَرَبَهُ بِمِائَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَيَجُوزُ نَقْصُ التَّعْزِيرِ عَنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إذْ لَيْسَ أَقَلُّهُ مِقْدَارًا فَيَرْجِعُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ فِيمَا يَرَاهُ وَمَا يَقْتَضِيهِ حَالُ الشَّخْصِ وَلَا يُجَرَّدُ لِلضَّرْبِ بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ كَالْحَدِّ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا يُضْرَبُ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ وَيَكُونُ) التَّعْزِيرُ (بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالصَّفْعِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَةِ) وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْفَسَادِ وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ وَحِينَئِذٍ فَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ جِنْسُ الْفَسَادِ وَلَمْ يَرْتَدِعْ بِالْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْفَسَادِ فَهُوَ كَالصَّائِلِ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيُقْتَلُ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْعَفْوَ عَنْهُ جَازَ) قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَقَالَ فِي الْمُبْدِع وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْحِ كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَا كَانَ مِنْ التَّعْزِيرِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَيَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ وَرَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَجَبَ كَالْحَدِّ وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ جَازَ لِلْأَخْبَارِ وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَطَلَبَهُ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ.
وَفِي الْكَافِي يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَرَدَ الْخَبَرُ فِيهِمَا وَمَا عَدَاهُمَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا مُعْتَرِفًا قَدْ أَظْهَرَ النَّدَمَ وَالْإِقْلَاعَ جَازَ تَرْكُ تَعْزِيرِهِ وَإِلَّا وَجَبَ انْتَهَى وَقَدَّمَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ التَّعْزِيرِ مُطْلَقًا وَإِنَّ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ.
(وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ (وَلَا جَرْحُهُ وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ يُقْتَدَى بِهِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ أَدَبٌ وَالْأَدَبُ لَا يَكُونُ بِالْإِتْلَافِ (قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ يَكُونُ التَّعْزِيرِ بِالنَّيْلِ مِنْ عِرْضِهِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ يَا ظَالِمٌ يَا مُعْتَدِي و) قَدْ يَكُونُ التَّعْزِيرُ (بِإِقَامَتِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَقَالَ التَّعْزِيرُ بِالْمَالِ سَائِغٌ إتْلَافًا وَأَخْذًا وَقَوْلُ) الْمُوَفَّقِ (أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالِهِ مِنْهُ إلَى مَا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ الظَّلَمَةُ).
(وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَ) عَلَى (تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ فَمِنْ جِنْسِ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ كَتْمِ مَا يَجِبُ بَيَانُهُ كَالْبَائِعِ الْمُدَلِّس) فِي الْمَبِيعِ بِإِخْفَاءِ عَيْبٍ وَنَحْوِهِ (وَالْمُؤَخِّرُ) الْمُدَلِّسُ (وَالنَّاكِحُ) الْمُدَلِّسُ (وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُعَامِلِينَ) إذَا دَلَّسَ (وَكَذَا الشَّاهِدُ وَالْمُخْبِرُ) الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ نَحْوِ نَجَاسَةِ شَيْءٍ (وَالْمُفْتِي وَالْحَاكِمُ وَنَحْوُهُمْ).
فَإِنَّ كِتْمَانَ الْحَقِّ سَبَبُهُ الضَّمَانُ (وَعَلَى هَذَا لَوْ كَتَمَا شَهَادَةً كِتْمَانًا أَبْطَلَا بِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ ضَمِنَاهُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ بِبَيِّنَةٍ وَقَدْ أَدَّاهُ حَقَّهُ لَهُ) أَيْ الْمُؤَدِّي لِمَا كَانَ عَلَيْهِ (بَيِّنَةٌ بِالْأَدَاءِ فَتَكَتَّمَا الشَّهَادَةَ حَتَّى يَغْرَم ذَلِكَ الْحَقَّ فَظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ سَمَاعُ الدَّعْوَى) عَلَى الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ (وَ) سَمَاعُ الْأَعْذَارِ وَ(التَّحْلِيفُ فِي الشَّهَادَةِ) إذَا أُنْكِرَتْ الْبَيِّنَةُ الْعِلْمَ بِهَا أَوْ نَحْوَهُ.
هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ وَيَأْتِي فِي الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ شَاهِدٌ (وَمَنْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ خَوْفًا مِنْ الزِّنَا أَوْ خَوْفًا عَلَى بَدَنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ يَسْتَغْنُوا بِهِ (وَلَا يَجِدُ ثَمَنَ أَمَةٍ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاحٍ وَلَوْ لِأَمَةٍ) لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحٍ وَلَوْ أَمَةً أَوْ عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ (حَرُمَ وَعُزِّرَ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي حِزْبِهِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الرَّجُلِ فَتَسْتَعْمِلُ أَشْيَاءَ مِنْ الذَّكَرِ) وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الْقِيَاسِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَمْنِي بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ) الْمُبَاحَةِ لَهُ لِأَنَّهُ كَتَقْبِيلِهَا (وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى جِمَاعِهِ وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا حَرُمَ الْوَطْءُ) بِخِلَافِ أَكْلِهِ فِي الْمَخْمَصَةِ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ بِخِلَافِ الْوَطْءِ (وَإِذَا عَزَّرَهُ) أَيْ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (الْحَاكِمُ أَشْهَرَهُ لِمَصْلَحَةٍ كَشَاهِدِ الزُّورِ) لِيُجْتَنَبَ (وَيَأْتِيَ) فِي الشَّهَادَاتِ.
(وَيُحَرَّمُ) التَّعْزِيرُ (بِحَلْقِ لِحْيَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ (وَلَا تَسْوِيدِ وَجْهِهِ وَ) لَهُ (صَلْبُهُ حَيًّا، وَلَا يُمْنَعُ) الْمَصْلُوبُ (مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ) لِأَنَّ الْبِنْيَةَ لَا تَبْقَى بِدُونِ الْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ، لَا تَسْقُط عَنْهُ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِالْوُضُوءِ كَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ) لِلْعُذْرِ (وَلَا يُعِيدُ) مَا صَلَّاهُ بِالْإِيمَاءِ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ.
(قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ إذَا تَكَرَّرَ) الذَّنْبُ (مِنْهُ وَلَمْ يُقْلِعْ انْتَهَى وَمَنْ لَعَنَ ذِمِّيًّا) مُعَيَّنًا أُدِّبَ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ وَعِرْضُهُ مُحَرَّمٌ (أَدَبًا خَفِيفًا) لِأَنَّ حُرْمَتَهُ دُون حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْهُ) أَيْ الذِّمِّيُّ (مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ) أَيْ أَنْ يُلْعَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْلِمِ قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ كَلَامُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنْ يُلْعَنَ فَاعِلُ ذَلِكَ الذَّنْبِ عَلَى الْعُمُومِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لَعَنَ اللَّهُ فَاعِلَ كَذَا أَمَّا لَعْنَةُ مُعَيَّنٍ بِخُصُوصِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ.
وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا وَصَدَرَ مِنْهُ ذَنْبٌ (وَقَالَ الشَّيْخُ يُعَزَّرُ) أَيْ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ (بِمَا يَرْدَعُهُ) لِأَنَّ الْقَصْدَ الرَّدْعَ (وَقَدْ يُقَالُ بِقَتْلِهِ) أَيْ مَنْ لَزِمَهُ التَّعْزِيرُ (لِلْحَاجَةِ) وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ (وَقَالَ: يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ وَذَكَرَهُ وَجْهًا وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَنُقِلَ) الْقَتْلُ (عَنْ أَحْمَدَ فِي الدُّعَاةِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ) لِدَفْعِ شَرِّهِمْ بِهِ وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ يُكَفِّرُ مُجْتَهِدَهُمْ الدَّاعِيَةُ (وَقَالَ) الشَّيْخُ (فِي الْخَلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَاِتِّخَاذِ الطَّوَافِ بِالْحُجْرَةِ دِينًا وَقَوْلُ الشَّيْخِ: أَنْذِرُوا لِي لِتُقْضَى حَاجَتُكُمْ وَاسْتَغِيثُوا بِي وَإِنْ أَصَرَّ وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ كَذَا مَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ لِلْخَمْرِ مَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ) أَيْ يُقْتَلُ (وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ: يُحْبَسُ حَتَّى يَكُفَّ عَنْهَا وَمَنْ عَرَفَ بِأَذَى النَّاسِ وَ) أَذَى (مَا لَهُمْ حَتَّى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَكُفَّ) عَنْ ذَلِكَ (حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ) قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا الْقَاضِي (وَنَفَقَتُهُ مُدَّةُ حَبْسِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ).
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي الْعَائِنِ لِلْإِمَامِ حَبْسُهُ وَقَالَ الْمُنَقِّحُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقْتَلُ الْعَائِنُ إذَا كَانَ يَقْتُلُ بِعَيْنِهِ غَالِبًا وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ فَيَغْرَمُهُ انْتَهَى (وَمَنْ مَاتَ مِنْ التَّعْزِيرِ) الْمَشْرُوعِ (لَمْ يُضْمَنْ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا كَالْحَدِّ.
(فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْجَذْمَاءِ مُخَالَطَةُ الْأَصِحَّاءِ عُمُومًا وَلَا مُخَالَطَةُ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ صَحِيحٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مَنْعُهُمْ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَصِحَّاءِ بِأَنْ يَسْكُنُوا فِي مَكَان مُفْرَدٍ لَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَإِذَا امْتَنَعَ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ الْمَجْذُومِ أَثِمَ وَإِذَا أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ فَسَقَ).
قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَقَالَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ، وَكَمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ (وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِلْكُفَّارِ وَعِنْدَ الْقَاضِي يُعَنَّفُ ذُو الْهَيْئَةِ وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ.
وَفِي الْفُنُونِ لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ، وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ) قُلْتُ: وَلَا تَخْرَجُ عَمَّا أَمَرَ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ فَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ (وَمَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ ظُلْمًا فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ نَحْوَ: أَخْزَاكَ اللَّهُ أَوْ لَعَنَكَ اللَّهُ أَوْ شَتَمَهُ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ) أَيْ قَذْفٍ (نَحْوَ: يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (أَوْ تَعْزِيرُهُ) أَيْ وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ لِيُعَزِّرَهُ لِكَوْنِهِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً وَلَا يَرُدّهُ عَلَيْهِ (وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ) أَيْ الشَّيْخِ (فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ كَمَا تَقَدَّمَ) قُلْتُ وَلَا يَدْعُو عَلَيْهِ وَلَا يَشْتُمُهُ بِمِثْلِهِ بَلْ يُعَزِّرُهُ (وَإِذَا كَانَ ذَنْبُ الظَّالِمِ إفْسَادَ دِينٍ الْمَظْلُومِ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمَظْلُومِ (أَنْ يُفْسِدَ) عَلَى الظَّالِمِ (دِينَهُ) قَالَ تَعَالَى:
{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (لَكِنْ لَهُ) أَيْ الْمَظْلُومِ (أَنْ يَدْعُو عَلَيْهِ بِمَا يُفْسِدُ دِينَهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ) مَعَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} قُلْتُ: الْأَوْلَى عَدَمُ ذَلِكَ (وَكَذَا لَوْ افْتَرَى) إنْسَانٌ (عَلَيْهِ الْكَذِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمَكْذُوبِ عَلَيْهِ الْكَذِب.
(لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ الْكَذِبَ نَظِيرَ مَا افْتَرَاهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِرَاءُ مُحَرَّمًا لِأَنَّ اللَّهَ إذَا عَاقَبَهُ بِمَنْ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يُقَبَّحْ مِنْهُ) سُبْحَانَهُ (وَلَا ظُلْمَ فِيهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ يَفْعَلُ فِي مُلْكِهِ مَا يَشَاءُ (وَقَالَ: وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَخْلُوقٍ مِنْ وَكِيلٍ وَوَالٍ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ انْتَهَى وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَقَالَ فَمَنْ دَعَا فَمَا صَبَرَ) أَيْ فَقَدْ انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
(فَصْلٌ وَالْقَوَّادَةُ الَّتِي تُفْسِدُ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ أَقَلُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا الضَّرْبُ الْبَلِيغُ، وَيَنْبَغِي شُهْرَةُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْتَفِيضُ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ) لِتُجْتَنَبَ (وَإِذَا أُرْكِبَتْ) الْقَوَّادَةُ (دَابَّةً وَضُمَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) لِيَأْمَنَ كَشْفَ عَوْرَتِهَا (وَنُودِيَ عَلَيْهَا هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا) أَيْ يُفْسِدُ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ (كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَالِحِ قَالَهُ الشَّيْخُ) لِيَشْتَهِرَ ذَلِكَ وَيَظْهَرَ (وَقَالَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، كَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ أَنْ يَعْرِفَ ضَرَرَهَا إمَّا بِحَبْسِهَا أَوْ بِنَقْلِهَا عَنْ الْجِيرَانِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ: سُكْنَى الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَ) سُكْنَى (الرِّجَالِ بَيْنَ النِّسَاءِ يُمْنَعُ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَزَبَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُتَأَهِّلِينَ وَالْمُتَأَهِّلَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْعُزَّابِ) دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ.
(وَنَفَى) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (شَابًّا) هُوَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ إلَى الْبَصْرَةِ (خَافَ بِهِ الْفِتْنَةَ فِي الْمَدِينَةِ) لِتَشَبُّبِ النِّسَاءِ بِهِ («وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْيِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْبُيُوتِ» وَقَالَ) الشَّيْخُ أَيْضًا (يُعَزَّرُ مِنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَجِنَايَةٌ وَتَقَدَّمَ لَوْ قَتَلَتْ مُمْسِكَهَا مِنْ مُدَّعِي مَشْيَخَةٍ وَنَحْوِهِ فَقَاتِلٌ نَفْسَهُ.
(وَ) يُعَزَّرُ مَنْ (يَدْخُلُ النَّارَ وَنَحْوَهُ) مِمَّنْ يَعْمَلُ الشَّعْبَذَةَ وَنَحْوَهَا (وَكَذَا) يُعَزَّرُ (مَنْ يُنْقِصُ مُسْلِمًا بِأَنَّهُ مُسْلِمَانِيٌّ مَعَ حُسْنِ إسْلَامِهِ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً بِإِيذَائِهِ (وَكَذَا) يُعَزَّرُ (مَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ) لِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهَ قَاصِدِ الْكَنَائِسِ بِقَاصِدِ بَيْتِ اللَّهِ، وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ (أَوْ سَمَّى مَنْ زَارَ الْقُبُورَ وَالْمُشَاهَدَ حَاجًّا إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ ذَلِكَ حَجًّا يَقْصِدُ حَجَّ الْكُفَّارِ وَالضَّالِّينَ) أَيْ قَصْدَهُمْ الْفَاسِد (وَإِذَا ظَهَرَ كَذِبُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ بِمَا يُؤْذِي بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عُزِّرَ لِكَذِبِهِ وَأَذَاهُ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ قُلْتُ: وَيَلْزَمهُ مَا غَرِمَهُ بِسَبَبِهِ ظُلْمًا لِتَسَبُّبِهِ فِي غُرْمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْحِجْرِ.